القبض على دعبولة
تضايق الآباء في أحد الأحياء من كرة القدم (دعبولة) التي يلعب بها أطفالهم، فقبضوا عليها، قال أحدهم:
ـ حَكَمنا عليكِ بالتنفيس يا شقية.
قال آخر:
ـ بل حكمنا عليكِ بالسجن على السقيفة.
بكى الأطفال، وبكت دعبولة قائلة:
ـ يا أصحاب الشهامة. هل يجوز الحكم بلا محاكمة؟!
نفخ الآباء قائلين:
ـ طيّب. سنأخذكِ إلى المحكمة، وستحكم عليكِ بعقوبة أشدَّ من عقوباتنا.
في المحكمة حُبستْ دعبولةُ في شبكة ضيقة من الخيوط حتى لا تهرب، وسُمِحَ لها أن تُعيِّنَ محامياً ليدافع عنها، فاختارتْ ماهراً كابتنَ فريق الحي.
دخل القاضي، جلس في مكانه، قال وهو يضع النظارة على عينيه:
ـ بسم الله. فُتحتِ الجلسة. نعم أيها الآباء ماذا فعلتْ دعبولة؟
قال أحدهم:
ـ آه يا سيدي. أمسِ وأنا أدخل بسيارتي إلى الحي، قفزتْ دعبولة إلى الزجاج، وكسرتْهُ! أريدها أن تدفع ثمنه حالاً.
هتف الآباء:
ـ حالاً... حالاً.
قال المحامي:
ـ دعبولة لا ذَنْبَ لها. صاحبنا سعدون رَكَلَها، فسقطتْ على زجاج السيارة. لقد تعلَّّمنا في المدرسة يا سيدي القاضي أن الكرات مصنوعة من المطاط، وهي تخاف من الزجاج، فكيف ترمي دعبولةُ نفسَها عليه!
استاء الآباء من قوة دفاع ماهر، بينما صفَّقَ الأطفال الذين يحضرون الجلسة.
قال القاضي:
ـ الهدوءَ... الهدوءَ يا أولاد.
تقدَّم أبٌ آخر، قال:
ـ أرجو أن تعاقبوا دعبولة بأشد العقوبات. إنها تَشْغَلُ أبناءَنا عن دراستهم، وتعلِّمهم المشاجرة.
هتف الآباء:
ـ عاقبوها.. عاقبوها.
قال المحامي:
ـ نحن ندرس في المساء، ومشاجراتنا ضَحِكٌ، ولَعِبٌ، صديقتنا دعبولة علَّمْتنا السماحة. أرجو أن تكافئوها. صفق الأطفال، وتوتر جو المحاكمة، عندئذٍ وقف والد ماهر، قال:
ـ كيف تكافئونها! لقد ضيَّعتْ عقلَ ابني، هذا المحامي الذي يقف أمامكم! إنني أراقبه أحياناً وهو ينزل بها إلى الحارة، وحينما لا يجد من يلعب معه، يلعب مع الحائط قائلاً: خذ الِعبْ يا بطل، ويلعب مع الشجرة صائحاً: اِلعبي يا بطلة!
هتف الآباء:
ـ المحامي عقله ضائع!
احمرَّ وجه ماهر احمراراً شديداً، وكاد يسقط على الأرض، لكنه ركض مغادراً قاعة المحكمة، فهتف الآباء:
ـ هيا أيها القاضي أسرعْ بالحكم على دعبولة.
فجأةً جاء من مكان دعبولة صوتٌ مخنوق غامض. إنها تريد الكلام، لكنَّ الشبكةَ التي حبسوها فيها تمنعها من ذلك. أُرخِيت الشبكةُ بأمر القاضي، فقالت دعبولة:
ـ أيها الآباء الحق معكم.
هتف الآباء:
ـ لن تخدعينا أيتها الكرة... أيتها المدعبلة كالبطيخة!
قالت دعبولة:
ـ سامحكم الله أيها الآباء، أنا لستُ بطيخة، لكنَّ شكلي كشكل الكرة الأرضية، ولذا يحبني الناس كما يحبونها في كل مكان.
صفق الأطفال، وهتفوا:
ـ نحبها... نحبها.
تابعت دعبولة:
ـ لن أكذب عليكم، أنا كالطفل أحب اللعب، لكنني أيضاً أتألم عندما تحدث أضرار، أتألم لأيدي الأمهات التي تنشر الغسيل، وفي اليوم الثاني تتسخ الملابس من اللعب أو تتمزق!
صار جو المحكمة هادئاً، فأكملت دعبولة:
ـ وكثيراً ما قلتُ لنفسي: لن ألعب... لن ألعب، لكنَّ الأطفال يأتون إليَّ، فإذا بي أذهب معهم!
قال القاضي:
ـ إذا كنتِ صادقة أيتها الكرة، فبماذا تحكمين؟
قالت دعبولة:
ـ أجلسني في مكانك يا سيدي القاضي.
أَمَرَ القاضي، فأُخرِجتْ دعبولةُ من الشبكة، وجلستْ في مكانه، وضعتْ نظارته على عينيها، وقالت:
ـ قررت محكمتنا مايلي: الرياضة تكون في الملاعب لا في الشوارع.
صفَّقَ الآباء بقوة، أما القاضي فقال:
ـ حَكَمنا أيضاً ببراءة دعبولة، لأنها آذتكم بإرادة غيرها، وهي ستبقى ضيفةً عند أحد الآباء يعطيها للأطفال أيامَ الجمعة ليلعبوا بها في الملعب.
وثبتْ دعبولةُ سعيدةً، وتساءلت:
ـ كم مرة يأتي يوم الجمعة في الأسبوع يا سيدي القاضي؟
قال القاضي ضاحكاً:
ـ لا يأتي إلا مرة واحدة.
وثبتْ دعبولة مرة ثانية، وقالت:
أرجوك. اِجعلْهُ يأتي مرتين أو ثلاثاً.
غرق الجميعُ في الضحك، وتمتم القاضي:
ـ لا يمكن... لا يمكن.
رضا عنانى